حفيدك أيقظك فينا/ العميد محمد فال ولد سيدي ميله

ثلاثاء, 04/03/2018 - 03:33

"حق الشعوب في المقاومة": عنوان ندوة كنتَ ستحضرها لا شك، لولا أنك –للأسف- مُغيّب في تابوت جنائزي منذ سنوات..

الندوة، التي تعنيك قبل كل واحد منا، تتعلق بالحق، وأنت، أيها الأب الراحل نيلسون مانديلا، من وهب حياته من أجل استرجاع الحق ومؤازرته، وهي تتعلق بالشعوب، وأنت من يحتل في وجدان شعوب قارة بأسرها مساحة صيغت من الأحلام والطموحات والمفاخر والانجازات، كما أنها تتعلق بالمقاومة، وأنت أيقونة نضال دائم وشعلة كفاح لا تخبو. إنك تظل إلى الأبد أعلمنا بـ"حق الشعوب في المقاومة"، وأعلمنا بعلاقة الجزائر بمقاومة الشعوب أو ما كان يعرف بـ"بحركات التحرر".

حفيدك انكوزي ازويليفيليل مانديلا حضر بجسمه نيابة عن روحك، وألقى خطابا ناريا، يشع بالحماس التحرري المانديلي، فذكّرنا بأمجادك العظيمة وصبرك الطويل. حفيدك بدا مضغة منك في قناعاتك ومشاويرك وجزائرياتك. كان يعرف، مثلك، أن الجزائر تصدت لكل المشاريع الامبريالية في إفريقيا، وأن دبلوماسيتها حملت شعار الدعوة إلى تطبيق مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وناضلت من أجل ترسيخ الفكرة في مبادئ القانون الدولي.

أيها الأب العظيم، لقد التقيتُ حفيدك في العاصمة الجزائرية خلال تلك الندوة فأهداني بطاقته الشخصية وأهداني صورة تذكارية، والأهم من ذلك أنه أهدى ذاكرتي إمكانية استرجاع كل فضيلة سمعتها أو قرأتها عنك: عن كفاحك الأسطوري، عن إرادتك، عن معارضتك القوية للطغيان والتعسف والجبروت.

عندما تابعت، عبر سماعات الترجمة الفورية، مفاصل من خطاب انكوزي مانديلا رأيت فيها ظل حفيد سائر بخطى واثقة على جسر شيّده جده لمكافحة الاستعمار والإمبريالية والعنصرية والعبودية..

صحيح أن مجاراتك، حذوَ النعل للنعل، مستحيلة، غير أن الحفيد، كان، مثلك، يعرف أن دعم الجزائر لحركات التحرر الإفريقية يمثل امتدادا لكفاح مسلح مرير خاضته ضد الإمبريالية. ومثلك كان يعرف أن الجزائر فتحت أبوابها لحركات التحرر والحركات المناهضة للعنصرية كالحزب الإفريقي من أجل استقلال غينيا بيساو، وجبهة تحرير الموزمبيق، والجبهة الشعبية لتحرير أنغولا، والإتحاد الشعبي الإفريقي للزمبابوي، والمنظمة الشعبية لجنوب غرب إفريقيا، وحزب المؤتمر الوطني الإفريقي في جنوب إفريقيا، وحركة تحرير ساوتومي...

ولأنه حفيدك، وأنت المخلص لرد كل جميل، كان انكوزي ازويليفيليل مانديلا مصمما، في خرجاته الإعلامية بمناسبة انعقاد الندوة، على ذكر دور الدبلوماسية الجزائرية، ممثلة في وزير خارجيتها أنذاك السيد عبد العزيز بوتفليقه، في طرد نظام جنوب إفريقيا العنصري من الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1974.

كان حفيدك يعرف أنك استلهمت من المقاومين الجزائريين أساليب الكفاح كما ذكرتَ في مذكراتك: "الدرب الطويل نحو الحرية"، وأنك على أيدي كبار المجاهدين تعلمت في الجزائر كيف تركـّب قنبلة وكيف تفككها وكيف تفجرها كلما اقتضت الضرورة، وكيف تضع الخطط الكفيلة بالانعتاق الاقتصادي والسياسي كما علمك شريف بلقاسم ونور الدين جودي وشوقي مصطفاي وباقي الرفاق. وهكذا كان حفيدك، الشبيه بك في نضالاتك الشجاعة، يعرف أن الجزائر كانت مرجعيتك النضالية عندما حللت بها، في بداية الستينات، مطاردا من قبل نظام الميز العنصري، لذلك جعلتها أول محطة تزورها رسميا بعد إطلاق سراحك شهر مايو 1990. لقد رفضتَ البدء بدول غربية قوية امتنعت عن أن تنزع عنك صفة الإرهابي قبل سنة 2008، لتختار بدلا منها بلدا آواك وآوى أمثالك من أبناء إفريقيا وأمريكا اللاتينية.

حفيدك الذي ألبسته جلد الأسد سنة 2007 احتفاء بتعيينه على رأس عرق اكهوزا.. حفيدك الذي أردت له أن يكون الوريث التقليدي لعرش أجدادك.. حفيدك الذي شرب من معين سياساتك واستراتيجياتك، أصبح عضوا في البرلمان عن حزبك الغالي حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، ليتابع مسيرتك المظفرة في مناصرة القضايا العادلة بدءا بأم المظالم: الصحراء الغربية. لقد كان كلامه واضحا وضوح خطاباتك وأفكارك، عندما قال بالحرف الواحد: "إننا نبحث عن تحرير إفريقيا من آخر مستعمرة بها، ونسعى إلى الكفاح من أجل تمكين الشعب الصحراوي من الحق في تقرير مصيره".

يقول حفيدك ان "هذه الندوة، التي تنعقد بالتزامن مع مئويتك الخالدة، يجب أن تكون فرصة لإعادة التأكيد على الدعم اللامشروط لكفاح الشعب الصحراوي، كما عبر عن ذلك حزب المؤتمر خلال جمعيته العامة في دجمير المنصرم"، مضيفا بحماس منقطع النظير: "أي شيء أفضل من أن أحتفل بمئوية جدي نلسون مانديلا في الجزائر التي كان يعتبرها هو نفسه منزله الثاني. إننا نحمل اليوم رسالة أمل، وحتى نلسون مانديلا حافظ على الأمل على مدى 27 سنة أمضاها في الزنزانات. وهنا نريد أن نقول للصحراويين: لا تفقدوا الأمل فالحرية قريبة".

ولأن أسرة مانديلا مباركة بطبيعتها، فقد التقيت، وأنا أتابع الحفيد انكوزي مانديلا يتمشى مع عقيلته ومترجمه في أروقة فندق "آ- زيد"، بالكاتبة اللبنانية ليلى بديع: إمرأة حديدية جمعتها الصدف ببيروت، في صيف 1972، مع الشهيد الولي مصطفى السيد، فتمخضت عن لقائهما قصة طويلة ونضال لا يكل ومقالات وكتب من أشهرها: "أضواء وملامح من الساقية الحمراء". لقد أصبحت ليلى، منذ ذلك اللقاء، إحدى أمهات الكفاح الصحراوي بحضورها المميز، وبقناعاتها الراسخة، وبقلمها الفياح. قالت بأن فلانا حدثها عني وأنها تريد مني لقاء نتبادل فيه الآراء والعناوين.. تضاربنا موعدا في الفندق بعد الاختتام، وفي نفس اليوم اختتمت الندوة، وكان الوقت الضيق ضاغطا، فطـُـلب منا أن نسافر فورا إلى المطار لأن موعد الرحلة قريب، فضاعت تلك الفرصة الذهبية، إلا أن الإعجاب بالكاتبة، واحترام قامتها النضالية السامقة، ومكانتها في القلب أمور لن تضيع.

فهلا انعقدت في كل يوم ندوة حول "حق الشعوب في المقاومة" عسانا نلتقي بمضغة من نلسون مانديلا، وبموعد مع ليلى بديع، وبأمل صحراوي يكبر، ثم يكبر، ويكبر !..